الأسواق الناشئة تندفع نحو سندات اليورو بحثاً عن التنوع والجاذبية

المؤلف: بلومبرغ08.08.2025
الأسواق الناشئة تندفع نحو سندات اليورو بحثاً عن التنوع والجاذبية

يتسارع توجه المقترضين في أسواق النمو الصاعدة نحو سوق السندات المسعرة باليورو بقوة غير مسبوقة منذ عقد من الزمان، مستفيدين من التزايد المطرد في الرغبة نحو التنويع بعيدًا عن هيمنة الدولار الأمريكي.

وقد عزز هذا الإقبال المتين على ديون الدول النامية، مع الازدياد الملحوظ في مشاركة مستثمرين لا يوجهون استثماراتهم في العادة نحو هذه الأسواق، في ضوء التحسينات الملموسة في جودة الائتمان. وعلى الرغم من أن السندات المقومة باليورو لا تزال تمثل حصة متواضعة من مجمل إصدارات الأسواق الناشئة، إلا أن حجمها يتجه نحو البقاء مرتفعًا، سواء بالقيمة المطلقة أو مقارنة بنظيرتها المقومة بالدولار.

وفي هذا السياق، صرح ستيفان فايلر، رئيس أسواق رأس المال في "جيه بي مورجان" لمنطقة أوروبا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا، قائلاً: "إذا كانت لديك خطط لإصدار سندات باليورو، فهذه هي الفترة النموذجية. لقد أضحى المقترضون أكثر إقبالاً بشكل جليّ على التنويع واستكشاف الأسواق المتخصصة".

وشهد مؤشر الدولار انخفاضًا بنسبة 8% خلال العام الجاري، في ظل إعادة تقييم مديري الأموال لتعرضهم المفرط للأصول الأمريكية، وذلك بالتزامن مع تسبب سياسات ترمب التجارية وهجماته على بنك الاحتياطي الفيدرالي في إحداث تقلبات في الأسواق. وتتزايد المؤشرات التي تدل على تراجع الطلب على الدولار، في حين تشير نسب التحوط المنخفضة ضد تقلبات العملات إلى وجود فسحة لمزيد من الانخفاض.

إصدارات غير مسبوقة من الأسواق الناشئة

وقد باعت الشركات والحكومات من الاقتصادات النامية سندات مقومة باليورو بقيمة تصل إلى 89 مليار يورو خلال العام الحالي حتى 18 يوليو، وهو أعلى رقم مسجل للفترة نفسها منذ عام 2014 على الأقل، وفقًا للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". وتجاوزت الإصدارات الحكومية وحدها إجمالي ما تم إصداره في عام 2024 بأكمله.

وعلى الرغم من أن غالبية الإصدارات صدرت من أوروبا الشرقية، حيث بلغت حصة بولندا ورومانيا معًا 21 مليار يورو، فقد دخل مقترضون آخرون من دول مثل تشيلي وكوريا والصين السوق في الأشهر الأخيرة.

وفي اقتصادات أوروبا الصاعدة، أدى فوز مرشح معتدل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر مايو إلى انتعاش السندات الرومانية، مما مكّن البلاد من تنفيذ الإصدار الثالث لها هذا العام. أما بلغاريا، فقد جمعت 3.2 مليار يورو بعد حصولها على ترقية في التصنيف الائتماني، مدفوعة بانضمامها المرتقب إلى منطقة اليورو في العام المقبل، واستفادت بولندا من أسرع نمو اقتصادي تشهده أوروبا الشرقية لإصدار أول سندات خضراء لها منذ 7 سنوات.

وفي هذا الصدد، صرح ماثيو غريفز، مدير محفظة استثمارية لدى "بي بي إم أمريكا"، قائلاً: "لقد أصبحنا أكثر نشاطًا في البحث عن فرص خارج نطاق سندات الدولار، وأضاف أنه يفضل سندات اليورو الصادرة عن ساحل العاج على نظيرتها الدولارية نظرًا للفارق الجذاب في العائد". وأردف قائلاً: "نفضل في الوقت الراهن الاحتفاظ باليورو على حساب الدولار من حيث التوجه الاستثماري".

تفوق سندات اليورو

وقد أجرى استراتيجيون في "جولدمان ساكس" مقارنة بين السندات المسعرة باليورو ونظيرتها المقومة بالدولار التي أصدرتها نفس الدول في نفس اليوم هذا العام، وتوصلوا إلى أن السندات المقومة باليورو تفوقت بصورة طفيفة على المؤشرات المرجعية، وبدرجة أعلى من نظيرتها المقومة بالدولار بعد مرور أسبوع على الإصدار.

وأشار استراتيجيو البنك في تقرير صدر في مطلع هذا الشهر: "الزيادة في إصدارات السندات المقومة باليورو تم استيعابها بشكل جيد عمومًا من قبل السوق"، مضيفين أن هذا الارتفاع في بيع الديون المقومة باليورو "من المرجح أن يستمر في ظل توقعاتنا بانحسار المرحلة الاستثنائية من النمو الاقتصادي في أميركا وبانخفاض إضافي في قيمة الدولار".

القيمة النسبية

وتشجع المخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي المستثمرين على تنفيذ صفقات قائمة على القيمة النسبية. فعلى سبيل المثال، يفضل "بنك أوف أمريكا" المراهنة على ارتفاع قيمة سندات اليورو الرومانية المستحقة في عام 2044، مقابل موقف سلبي من السندات الدولارية التي تستحق في العام نفسه.

وفي "جي بي مورجان"، يرى الاستراتيجيون أن السندات المقومة باليورو الصادرة عن بولندا والمغرب والمجر والمكسيك هي الأكثر جاذبية ضمن نظرائهم، للمستثمرين الساعين إلى الخروج من ديون الدولار.

ويرى ديفيد روبينز، الرئيس المشارك في "تي سي دبليو إيميرجينغ ماركتس" والمخضرم في هذا المجال منذ 4 عقود، أن الطلب على ديون الأسواق الناشئة كان قويًا هذا العام مع سعي المستثمرين إلى التحوط من ضبابية السياسات الأمريكية، مضيفًا أن "الفارق النسبي في العوائد الذي توفره الناشئة مقارنة بالأسواق الأخرى لا يزال جذابًا".

وقد ساعد هذا الإقبال على تغذية موجة إصدارات الديون عبر جميع الفئات، حيث بلغ إصدار سندات الدولار أسرع وتيرة له منذ عام 2021. وعلى الرغم من تنويع المقترضين بعيدًا عن الدولار، إلا أنه من المستبعد أن يضعف ذلك هيمنته، إذ إن هذه السندات تبقى جزءًا من مؤشر "جيه بي مورجان" لسندات الأسواق الناشئة، وبالتالي تمثل مكونًا أساسيًا لمحافظ المستثمرين.

دول جديدة بينها مصر تدخل سوق اليورو

ومع استمرار بحث المستثمرين عن فرص للقيمة النسبية، قد يتوجه المقترضون الذين لديهم ديون قائمة بالدولار إلى سوق اليورو لتنويع مصادر تمويلهم، وفقًا لما ذكرته كاثي هيبروث، رئيسة ديون الأسواق الناشئة لدى "بي جي آي إم".

وتُظهر البرازيل، التي أصدرت بالفعل سندات تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار هذا العام، اهتمامًا بإصدار أول سندات لها باليورو منذ عام 2014، في حين تخطط جارتها كولومبيا لإصدار سندات مقومة باليورو للمرة الأولى منذ عام 2016.

كما تستعد إحدى الكيانات الإدارية في البوسنة لطرح سندات في الأسواق الدولية للمرة الأولى، من خلال إصدار غير مضمون لأجل 5 سنوات مسعر باليورو، في حين يدرس مسؤولون في مصر إصدار أوراق مالية بالعملات الصعبة، بما في ذلك سندات مقومة باليورو، ضمن خطط الطرح للأشهر الاثني عشر القادمة.

واختتم ستيفان فايلر من "جي بي مورجان" حديثه قائلاً: "سيظل الدولار دائمًا العملة الأساسية للتمويل في الأسواق الناشئة"، لكنه أضاف أن "اليورو يوفر أكبر عمق سوقي كبديل حقيقي".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة